أراد أبو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الفضل المرسي أن ينتصر لمذهب أهل السنة، ضد المعتزلة ولا نعلم حقيقة ما إذا كَانَ هذا الرجل سنياً بمعنى: أنه من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أم أنه أيضاً متأثر بإحدى المذاهب المنتسبة إِلَى السنة، لكن هذا الرجل يقول عن كلام صاحب المنتخب: [هذا كلام من لا يعرف لسان العرب] فخطأه؛ لأن (إله) في موضع مبتدأ عَلَى قول سيبويه وعند غيره اسم (لا) وكلاهما لا فرق بينهما، أي سواء قلنا هي مبتدأ أو اسم "لا" "وعلى كلا التقديرين فلا بد من خبر المبتدأ، وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد"، يقول المرسي :" الاستغناء عن الإضمار خطأ "، نبدأ بالكلام الصواب من كلام المرسي الذي يبين لنا الخطأ من كلام صاحب المنتخب، وأما قوله: إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية، فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية هو نفي للوجود، فلا تتصور الماهية إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود، هذا مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة، فإنهم يثبتون ماهية عارية عن الوجود.
الماهية هي ذات الشيء أو حقيقته، وهي مشتقة بما يُسئل عنها (بما)، وقد سبق هذا معنا، عندما خاطب فرعون موسى فقَالَ: وما رَبُّ الْعَالَمِينَ، قال المتكلمون: إن فرعون سأل موسى عن الماهية، أي: أن فرعون من المتكلمين الباحثين في الصفات، فهو من المناطقة حيث سأل عن الماهية بـ "ما"، قَالَ: ((وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:23]، أي: ما كنهه وما ذاته وما حقيقته؟
ثُمَّ قال المتكلمون، إن موسى عَلَيْهِ السَّلام حاد عن الجواب حينما قَالَ: ((قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)) [الشعراء:26] فلم يجب له بالأجوبة المنطقية، وسبق أن قلنا: إن هذا الكلام خطأ من المتكلمين؛ لأن فرعون لا يعرف المنطق ولا الفلسفة، ولا يتدخل في هذا الكلام كله، ففرعون يقول: وما رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى سبيل الاستخفاف والعناد، فهو لا يؤمن به؛ بل ينكره، ولهذا قَالَ: ((فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)) [القصص:38] ففرعون لا يريد أن يؤمن بإله.
وليست القضية عند فرعون قضية ماهية هذا الإله، أو السؤال عنه بـ "ما"، فلم يخطر لفرعون أن المناطقة يقولون: إن السؤال عن الماهية هو بحرف "ما"، ومعنى قول المرسي أنا إذا قلنا (لا إله) موجود فقد نفينا وجود الإله، وإذا قلنا: (لا إله) بدون تقدير نفينا ماهية الإله، إذاً عدم التقدير أفضل.

فنقول: هذا التفريق بين الوجود وبين الماهية خطأ؛ لأن أي شيء نقول: إنه موجود، فمعنى ذلك أن له ماهية بطبيعة الحال، أما أن عدم التقدير صحيح فهذا الكلام أيضاً صحيح؛ لأن عدم التقدير هو الأولى.